حوار مع الخبير الإقتصادي المتخصص في المالية الإسلامية البروفيسور محمد بوجلال
1 min read
تجربة الصيرفة الإسلامية في الجزائر، مولود جديد قديم ، دخل فعليا في عالم البنوك و المعاملات المالية في الجزائر سنة 2021، و هذا بعد تجارب متعثرة بداية التسعينات بإنشاء بنك البركة سنة 1991 ، ثم سنة 2008 بإنشاء بنك السلام ، حيث و تعثرت تلك التجارب بسبب غياب الإرادة السياسية و المتابعة الجادة، ليعود بعث المشروع من جديد ، و يدخل حيز الخدمة بمتابعة و إلحاح من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون ، الذي وعد فوفى، إضافة إلى تعيين السيد أيمن بن عبد الرحمن محافظا لبنك الجزائر سنة 2020 و الذي كان له الأثر الإيجابي ، و هو الذي تفاعل إيجابيا مع مقترحات المجلس الإسلامي الأعلى، وما تلاه من صدور نظام بنك الجزائر 20-02 في 20 رجب 1441هـ الموافق 15 مارس 2020 الذي يحدد العمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية وقواعد ممارستها من طرف البنوك والمؤسسات المالية.
بعد عام من إنطلاق التجربة، ما الذي تحقق؟ هل كان للصيرفة الإسلامية تأثير على سوق المال في الجزائر؟ هل التجربة كاملة ، ونالت نصيبها من الترويج ؟ و هل ما توفره البنوك حاليا كاف لتلبية ما ينتظره المواطن الجزائري.
كل هذه الأسئلة طرحناها على الخبير الإقتصادي المتخصص في “المالية الإسلامية” في الجزائر و العالم، و عضو المجلس الإسلامي الأعلى المكلف بملف الصيرفة البروفيسور محمد بوجلال في حوار لأول عدد من اليومية الإقتصادية المتخصصة “الإقتصادية نيوز”
نظام الصيرفة الإسلامية دخل حيز الخدمة فعليا نهاية 2020، بعد عام تقريبا ما هو تقييمكم للتجربة؟
الجزائر تتشرف بأنها أول بلد مسلم يتبنى فكرة إنشاء بنك إسلامي جزائري، ويرجع الفضل لذلك للعلامة إبراهيم أو اليقظان الذي قدم مشروعا متكاملا لإنشاء مصرف إسلامي جزائري لسلطات الاحتلال الفرنسي التي رفضته جملة وتفصيلا .
ويمكن تأريخ دخول الخدمة المصرفية المتوافقة لأحكام الشريعة الإسلامية إلى سنة 1991 مع إنشاء بنك البركة الجزائري، تلاه إنشاء مصرف السلام سنة 2008. للأمانة لقد قدم هاذين البنكين الكثير للصيرفة الإسلامية وللاقتصاد الجزائري من حيث تعبئة الموارد وتمويل المشاريع المفيدة للاقتصاد الجزائري.
ولكن الحدث البارز يتمثل في تعيين السيد أيمن بن عبد الرحمن محافظا لبنك الجزائر الذي تفاعل إيجابيا مع مقترحات المجلس الإسلامي الأعلى، وأقول بهذه المناسبة أن الانطلاقة الفعلية للصيرفة الإسلامية ترجع إلى صدور نظام بنك الجزائر 20-02 في 20 رجب 1441هـ الموافق 15 مارس 2020 الذي يحدد العمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية وقواعد ممارستها من طرف البنوك والمؤسسات المالية.
محاولة تقييم التجربة الوليدة، خاصة في البنوك العمومية وفي بعض البنوك الخاصة يحتاج لوقت طويل، وأشير بهذه المناسبة أن ندوة وطنية ستنظم قريبا لتقييم الحصيلة ووضع معالم لمستقبل الصناعة ببلادنا لتمكينها من المساهمة في تقوية الاقتصاد الوطني.
ماذا حققت هذه التجربة وما هي تأثيراتها في الاقتصاد والاستثمار؟
ربما أجبت على هذا السؤال فيما سبق، الأكيد أن مبالغ كبيرة تم تعبئتها عبر الشبابيك التي تم فتحها على مستوى الاحدى عشرة بنكا (ستة بنوك عمومية وخمسة بنوك خاصة) التي تقدمت بطلب الحصول على شهادة المطابقة الشرعية من الهيئة الشرعية الوطنية للإفتاء للصناعة المالية الإسلامية التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى، وعلى الترخيص من بنك الجزائر. بتوفر الإرادة السياسية، تم تذليل الكثير من العقبات ذات الطابع التشريعي والقانوني، خاصة من خلال قانون المالية التكميلي 2021. رغم ذلك لا زالت بعض العقبات تواجه التجربة الوليدة بسبب بعض الذهنيات التي لم تستوعب بعد روح التشريع المصرفي المنظم للعمليات التمويلية للصيرفة الإسلامية، فبالرغم من وضوح المواد التي جاءت في قانون المالية التكميلي سالف الذكر، إلا أن بعض مديريات الضرائب في بعض الولايات ينتظرون صدور التعليمات التنفيذية.
بصفتكم خبير وعضو بالمجلس الإسلامي الأعلى، هل المشروع كامل 100بالمائة أم هناك تعديلات وهفوات سيتم تداركها خاصة في الشق الإداري والمعاملات؟
التجربة إلى حد الأن تمشي بخطى ثابتة ولا توجد مخالفات شرعية لأن النصوص المنظمة للصناعة المالية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية مكنت من إنشاء مستويين للامتثال الشرعي:
الأول ويتمثل في الهيئة الشرعية الوطنية للإفتاء للصناعة المالية الإسلامية على مستوىالمجلس الإسلامي الأعلى والتي تتشكل من كبار علماء الجزائر في مجال المعاملات المالية الإسلامية، والتي تقوم بمراجعة كافة العقود والإجراءات التابعة لها وإدخال التصويبات المطلوبة عند الاقتضاء.
الثاني ويتمثل في هيئة الرقابة الشرعية التي يتم تعيينها من طرف الجمعية العامة للمؤسسة المالية والتي تتوفر على كامل الحرية في ممارسة الرقابة على عمليات البنوك.
أضف إلى ذلك أن بنك الجزائر (البنك المركزي) يساهم بشكل كبير في تأطير التجربة، ويكفي أن أشير هنا أن مجموعة كبيرة من موظفي بنك الجزائري تلقوا تدريبا مهنيا حول المعاملات المصرفية الإسلامية وحصلوا على شهادات تثبت كفاءتهم وقد كان لي شرف الاشراف على هذا التكوين المهني المفيد للصناعة المالية الإسلامية.
ما تقييمكم لردة الفعل و التفاعل من طرف المواطنين بعد عام من انطلاقالتجربة ؟
لم أقم بدراسة ميدانية للوقوف على آراء وتفاعل المواطنين والمتعاملين الاقتصاديين تجاه المعاملات المصرفية الإسلامية سواء من جانب تعبئة الموارد، أو من ناحية تمويل الأفراد والمؤسسات.
لكن المؤشرات مشجعة من ناحية الأموال التي ترد إلى الشبابيك الإسلامية التي وجدت ضالتها في حسابات ادخارودفاتر توفير متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
على كل يجب أن نعطي الوقت الكافي للتجربة قبل الحكم عليها، علما أننا لا زلنا بصدد تحيين المزيد من القوانين لأن هنالك تفاصيل لا يسع المقام لذكرها، لكننا في تعاون مع الجهات الوصية لتذليل ما بقي من صعاب في سبيل التمكين للصناعة المالية الإسلامية المساهمة في النهضة الاقتصادية للجزائر الجديدة.
هل تم الترويج كما يجب للصيرفة الإسلامية وهل المنتوجات المتوفرة كافية؟
نعم هنالك في تقديري قصورا في الترويج للمنتجات المصرفية الإسلامية، ويرجع ذلك لأسباب يطول ذكرها. ومن ناحية المنتجات، فإن الثمانية التي جاء بها نظام بنك الجزائر 20-02 كافية مع بداية التجربة، لكن مع تطور الصناعة، ستكون هنالك ضرورة لتوسيع قائمة المنتجات، خاصة المنتجات التمويلية كالمساومة والمزارعة والمغارسة والمساقاة والجعالة، على سبيل المثال وليس الحصر.
هل بإمكان الصيرفة الإسلامية استقطاب الكتلة النقدية المتداولة خارج القنوات الرسمية من البنوك الوطنية والمؤسسات المالية وهو التحدي الذي يواجه الاقتصاد الوطني؟
هنالك أسبابا متعددة لوجود كتلة نقدية كبيرة خارج القنوات الرسمية، كالتهرب الضريبي وتدني مستوى الخدمات البنكية وتغول الممارسات البيروقراطية. لكن الأكيد أن هنالك أسبابا ثقافية وعقدية تجعل المواطن يرفض إيداع أمواله في بنوك لا توفر معاملات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. وهذا ما يفسر تجاوب عدد لا بأس به من المواطنين الذين لم يترددوا في فتح حسابات وإيداع فوائضهم المالية في دفاتر توفير متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
ماذا تقترحون كخبراء في المجال، لدعم التجربة من أجل احتلالها مكانة حقيقية في الاقتصاد الوطني؟
هذه الاقتراحات قُدمت للجهات الوصية وسترون نتائجها في قادم الأيام بإذن الله.
ولا يسعني في ختام هذا الحوار إلا أن أشكركم على هذه المبادرة لإنشاء مجلة اقتصادية متمنيا لها النجاح والرواج.
كما أغتنم هذه الفرصة لتقديم الشكر للسيد رئيس الجمهورية الذي وعد فوفى وللسيد الوزير الأول، الخبير المالي المخضرم والفارس الحقيقي لتوطين الصناعة المالية بجميع مكوناتها: البنوك وشركات التأمين التكافلي والصكوك الإسلامية (التي هي في طريق الإنجاز) والصناديق الاستثمارية والزكاة والأوقاف.